هذا ما هو ملاحظ في عالم اليوم الذي أصبحت المصطلحات بكافة أصنافها تزاحم الناس في كل شئ حتى لا يكادون يفهموا معنى مصطلح حتى يطل آخر من النافذة ولأن الإعلام هو الحكم الفصل وصاحب القدرة على تعويم العقل البشري فقد أعُطى مساحة كبيرة لمساعدة كافة الأطراف في جعل هذه المصطلحات صديقة ومألوفة للناس تشرب معهم وتأكل معهم وتنام معهم وترفرف كل صباح أمام أعينهم كطائر يغرد بها إذا التقى بأحد من أهله أو جيرانه أو أصدقائه.
كثيراً هي المصطلحات التي يحاول الإعلام تسويقها وكأنها ذات جدوى خاصة تلك التي تطبخ في المطابخ الغربية فالعولمة التي تسوق على أنها انفتاح الجميع على الجميع من اجل الجميع فإذا هي (وأمام سحر الحضارة) إقرار من الجميع لسيدة الكون بإمكانية التأمل في كل شئون حياة الأفراد والاتفاقيات الاقتصادية التي تروج على إنها مبشرة بالرخاء فإذا بها تتحكم في عدد الوجبات التي يتناولها المواطن العربي والاتفاقيات السياسية تروج على أنها تعزيز التعاون فإذا بها تعزز الانبطاح والتعاون الثقافي يروج على انه تعارف على العالم فإذا به إسقاط في مستنقع الرذائل والبعثات التعليمية تهدف لإكساب معارف جديدة
يقول أهل المنطق أن اللغة هي الفكر المنطوق وأن الفكر هو اللغة الغير منطوقة أي أن هناك علاقة نسب بينهما ولا مجال لفض العقد التزاوجي الأزلي الأبدي بين الطرفين لكن يمكن أن يحدث تفاوت في تأثير احدهما على الأخر ويرجع ذلك لقوة التدخل الخارجي الذي يأمر أحدهما بالاستجابة للأخر بنسبة يقررها هو ( العامل الخارجي)
فلا يخفى على أحد ما للسياسية من سلطة لامحدودة على اللغة والفكر فالسياسي يطلب من أهل اللغة إيجاد الألفاظ المناسبة ليعبر بها عما في نفسه وعقله من رغبات ثم يعطي الضوء الأخضر لأهل الفكر ليشرحوا معنى تلك المصطلحات وتبرير استخدامها والفائدة المرجوة منها ثم يعودوا للغة ليكتبوا بحروفها استحقاق أحدهما على الأخر.
فإذا بها تلغي الخصوصيات الجماعية وتمسحها من الذاكرة والإرهاب الذي يسوق على إنه محافظة على الأمن العالمي فإذا هو يقتل الجميع دون شرع أو أدب والتنسيق الأمني الذي يسوق على أنه ضرورة لكل الأطراف وأن الاحتلال أصبح تحريراً والاستسلام لرغبات الاحتلال يسمى تعاون مع الأسرة الدولية والقرارات الأممية والإساءة للإسلام حرية تعبير عن الرأي ورسول الرحمة أكبر إرهابي في التاريخ والقرآن الكريم لم يعد ملائما للعصر الحالي والسفور أصبح تحرراً والعري صار ثقافة والزنا حرية شخصية والمشروبات الكحولية تسمى بالمشروبات الروحية والتمسك بالدين رجعية والمقاومة إرهاب والاستشهاد انتحار وجنازة احد علماء الأمة لا يراها ولا يسمع بها أحد أما أغنية هابطة فإنها تعاد في بعض القنوات العربية أكثر من عدد الذين قتلهم الاحتلال.
لقد آن الأوان للمجتمعات العربية أن تفتح عهداً جديداً مع ثقافتها الأصيلة وتخرج المصطلحات المشرفة من ثلاجة الماضي وتضعها أمامها على طاولة البيت كل صباح لتقتبس من نورها وتسير بهداها وإلا فإن العالم سيصبح أكثر فوضى .