في عام 1938 تم وضع لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس وهي اللائحة التي تطبقها المحاكم العليا في قضايا الأحوال الشخصية حتي الآن.
و احتوت اللائحة علي تسعة اسباب للطلاق واستقرت الأمور لأكثر من سبعين عاما علي هذا. وبعد ما يزيد علي سبعين عاما علي اللائحة اصبحت تلك الاسباب هي صانعة الأزمة الساخنة التي نعيشها الآن, فالزواج الثاني وعكس ما يعتقد الكثيرون ليس هو الأزمة ولكن الطلاق الذي لم تقبله الكنيسة هو السبب, فالكنيسة لا تعترف سوي بعلة الزني سببا للطلاق وبالتالي الموافقة علي الزواج الثاني للطرف البرئ.
وبين لائحة عام1938 التي لا تعترف بها الكنيسة الأرثوذوكسية في عهد الانبا شنودة ورغبة الكنيسة في الغاء العمل بها وحصر الطلاق فقط في علة الزني تتضخم المشكلة!!
منذ6 سنوات تقريبا تزوجت شيرين زواجا فاشلا فبعد اقل من ثلاثة اشهر بدأت المشاكل ورغم حملها فإن الحياة بينها وبين زوجها تحولت لجحيم, لجأت شيرين في البداية للكنيسة لطلب المشورة كما تقول ولكن لم يتغير شئ رغم جلسات الصلح المتكررة ولم يعد امامها سوي اللجوء لمحام لرفع دعوي خلع معلنة استعدادها للتنازل عن كافة حقوقها المادية وبعد ان نجح محاميها في اثبات ان الزوج غير ملته نجحت شيرين وقبل ان يمر عام من الزواج في الحصول علي الطلاق خلعا لم تكن هذه نهاية المأساة بل بدايتها, وتحكي: بعد حكم الطلاق ذهبت للكنيسة للحصول علي اعتراف بالطلاق وهو ما تم رفضه تماما, حيث اعتبروا الطلاق الذي حصلت عليه كأنه لم يكن ورغم تأكيدي استحالة الحياة بيننا وعدم قدرتي علي الاستمرار إلا ان الكنيسة رفضت تماما وانا الآن في وضع معقد جدا فليس امامي سوي رفع دعوي علي الكنيسة نفسها كما فعل الآخرون والحصول علي حكم يجبرها علي الاعتراف بالطلاق وبالتالي الحصول علي اذن زواج فأنا مازلت في السابعة والعشرين من عمري.. هل يعقل ان ابقي طوال عمري بلا زواج لمجرد اني مررت بزيجة فاشلة تماما بينما يحق لزوجي ان يتزوج عرفيا أو حتي مدنيا؟ لا اعرف خاصة ان ابي يرفض تماما ان نختصم الكنيسة وهو ما لا أريده أنا أيضا.
طعن علي الحكم
الأزمة ليست في السماح لمن حصلوا علي الطلاق بالزواج انما الأزمة الحقيقية هي من حصلوا علي الطلاق بعيدا عن الكنيسة أو بالتحديد بأحكام قضائية, فالكنيسة لا تعترف بطلاق هؤلاء وبالتالي لن تسمح لهم بالزواج ثانية لأنها تعتبرهم متزوجين بالفعل هذه كلمات حافظ أبوسعدة المحامي وعضو المجلس القومي لحقوق الانسان) ويكمل متسائلا: إذا كان الحكم غير مقبول لماذا لا يطعن عليه خاصة أن هناك تأكيدا من الكنيسة بوجود حكم متعارض معه من محكمة الاستئناف في الأربعينيات يعطي للكنيسة حق التطليق دون غيرها؟
فإذا كان لدينا حكمان متضاربان فالمحكمة الدستورية العليا تكون هي الفيصل بين الاثنين وهي التي لها حق ابطال حكم ما لعدم دستوريته إذا ثبت هذا.
عضو المجلس القومي لحقوق الانسان يشير لنقطة مهمة أخري يراها ملفا جديدا يمكن أن ينتج عما يحدث الآن ويقول: من المفترض أن يكون جميع المواطنين سواء أمام الدستور في الحقوق والواجبات, والدستور كفل للجميع حق الزواج وتكوين أسرة وهذه هي روح القانون التي استند إليها القاضي في حكمه وسحب هذا الحق من مواطنين بسبب الديانة يمكن أن يعتبر انتقاصا من حقوقهم وهو ما يعتبر ايضا اخلالا ببنود مهمة من اتفاقية( سيداو) المتعلقة بالغاء جميع اشكال التمييز ضد المرأة ومنها ملف الطلاق وحق المرأة في الحصول عليه بدون تفرقة بسبب الدين أو العرق أو الجنس وبالتالي فالمشكلة الآن معقدة اكثر بين الكنيسة والقضاء من ناحية والكنيسة والمنظمات الدولية التي تراقب تطبيق تلك الاتفاقيات علي مستوي جميع الدول من ناحية أخري وبالتالي سيعتبر هذا انتقاصا لحق المرأة الأصيل في الحصول علي الطلاق كالرجل تماما.
حكاية أخري
في عام1986 كانت ميرفت م قد تزوجت من احد اقربائها واستمرت لمدة ثلاث سنوات تعيش مع زوجها رغم معاناتها الشديدة من تجربة الزواج التي لم تكتمل لأن الزوج كان يعاني عجزا كاملا, كما تقول, ثم بدأ يمارس ضدها عنفا شديدا لم تجد ازاءه سوي التصريح لأهلها بأزمته معها وهو ما دفعها أيضا للجوء للكنيسة وتحكي: حكيت لأب الاعتراف قصتي كاملة وكيف أن زوجي عاجز تماما علي اعتبار انها من اسباب الطلاق ولكنه رفض ان ينصحني بالطلاق وقال لي اصبري ولكنني لم احتمل الوضع ولجأ للقضاء لاحصل علي الطلاق فقد كنت في بداية العشرينيات ومازالت صغيرة وعام1991 حصلت علي الطلاق من المحكمة لعنة الزوج بعد أن اثبت الطب الشرعي هذا وبعد ان رفض هو نفسه الذهاب للانبا بولا الذي لجأت له وقال لي لو اتي واعترف فسأعطيك الطلاق ولكن زوجي السابق لم يأت, بالتالي لجأت للقضاء ولكن بعد الحكم لم احصل علي تصريح زواج لأن الكنيسة رفضت تماما قبول الحكم إلا بعد التأكد من سبب الطلاق وظللنا في جدال ومحاولات لمدة سبع سنوات أخري حتي انتهي الأمر اخيرا بالطلاق بعد12 عاما من المعاناة وكنت قد قاربت الأربعين من عمري وتزوجت ثانية ولكني لم انجب.
9 حالات
لائحة1938 التي مازالت معمولا بها حتي الآن حددت 9 حالات تجيز الطلاق أولاها علة الزني والخروج عن الدين وتغيير الملة أو الغياب لأكثر من خمس سنوات أو الحبس لمدة اكثر من سبع سنوات او الاصابة بالجنون أو الاعتداء علي حياة الطرف الآخر أو فساد احد الطرفين ووقوعه في الرذيلة او اساءة المعاشرة والنفور واخيرا إذا ترهبن احد الطرفين او كلاهما, اما الواقع وكما يؤكد اسحق حنا العضو المؤسس لجماعة العلمانيين بالكنيسة والأمين العام للجمعية المصرية للتنوير فالكنيسة ـ علي حد قوله ـ قصرت الطلاق علي علة الزني او تغيير الدين فقط ولم تعد تعترف بكل الاسباب التسعة وبالتالي لم يجد من يرغبون في الطلاق سوي المحاكم ليحصلوا بها علي هذا الحق, خاصة ان اثبات الزني امر شديد الصعوبة تماما ويضيف: لا اعرف سبب الضجة الحالية فالكنيسة كانت ولسنوات طويلة من تاريخها تعطي تصاريح الطلاق والزواج بلا مشاكل ولكن كان التصريح يعطي للطرف المجني عليه وليس الجاني وكان يجب علي الكنيسة ان تكون اكثر هدوءا وحكمة في تلك القضية والحكم انما صدر بناء علي لائحة وقانون موجودين وكان الأولي السعي لتغيير تلك اللائحة فلابد من وجود بديل مادمنا ارتضينا منذ البداية ان تكون هناك لوائح وقوانين وباباوات كثيرون عاصروا تلك اللائحة ولم يطالب احد بالغائها وانا شخصيا توقعت ان يتصرف البابا في تلك القضية بطريقته المعهودة التي هي ابلغ من أي كلام وهي الصمت والصلاة حتي تجد الدولة حلا لهذا المأزق ثم أنا لي مأخذ علي ما يدور فيما يتعلق بمن يرجع اليهم امر الطلاق في الكنيسة فاغلبهم من الرهبان الذين لم يعيشوا الحياة الزوجية فكيف لهم معرفة حقيقتها والحكم عليها, يجب أن نحتكم في هذا للجان يكون بها علمانيون, بالإضافة لرجال الدين.
حجم المشكلة
ويشير اسحق حنا لنقطة أخري يراها مهمة جدا فيقول: المشكلة رغم كل ما يثار حولها غير واضحة المعالم فعدد هؤلاء المتضررين لا احد يعرفه, البعض يقول40 الفا وآخرون20 بينما بعض المنافقين قالوا إنهم يعدون علي اصابع اليد الواحدة ولم يخبرنا احد عددهم الحقيقي لنعرف حجم المشكلة التي تستدعي هذه الضجة والمواجهة الساخنة التي اعلنها البابا.
المفكر القبطي كمال زاخر يري أن هناك التباسا حدث, فالأنبا شنودة ـ كما يقول اشار إلي انه: ليس من حق محكمة القضاء الإداري نظر قضايا الطلاق أو الزواج بينما المحكمة لم تنظر هذا لأنه من حق محاكم الأحوال الشخصية وحدها المحكمة الإدارية اصدرت حكمها في مسألة عدم السماح للمطلقين بالزواج الثاني وهي مسألة إدارية بحتة لا علاقة لها بالطقوس الدينية أو الحياتية للمسيحيين, كما انه لا يوجد نص محدد يمنع الزواج الثاني في رأيي, فإذا كان الشخص قد اخطأ فهو يتلقي عقوبة علي هذا الخطأ فلماذا نظل نعاقبه طوال عمره وندفعه لمزيد من الخطأ عندما امنع عنه حقا من حقوقه الأساسية, كما ان التصعيد لا يصح فالقضاء حكم بما امامه وليس من المعقول أن الغي كل اللوائح والقوانين المنظمة لحياة الناس واقرر فجأة أن تكون الكنيسة فقط هي التي تقرر الأمر فهناك تشريع والقاعدة تقول التشريع يعدل بتشريع والمشكلة أن الكنيسة قررت عام1971 وبشكل منفرد أن تكون هي الجهة الوحيدة المنوط بها اعطاء اذون الزواج, واتذكر انها نشرت هذا في الجريدة الرسمية ولكن هذا النشر لا يعطي قرارها الحجية أمام القضاء كان يجب أن تتقدم بالتشريع الذي تراه للدولة ثم يتم تمريره بالشكل الرسمي والشرعي وهو أمر لم يكن ليعترض عليه أحد.